|

صراع الإنسان بين العقل والإحساس 

الكاتب : الحدث 2021-08-25 12:01:48

يا له من إحساس مؤلم حين يتصارع “الوجدان والعقل” على شيء واحد فيخور العقل أمام الوجدان. وهذا ناجمٌ عن أن النفس البشرية لا تنسى ما يجري عليها من أحداث منذ أن تُولد وحتى مماتها، حتى وإن تقادمت ونسيها الفرد أو مُحت من عقله الواعي، فهو يعيش في حاضره مع عقله اللاواعي الذي يتعامل مع الأحداث اليومية المتكررة، كالخبرات العلمية والعملية مثلاً، التي تساعده على خوض عراك الدنيا.
وقد فسر علماء النفس بعض الأحداث الغريبة التي مصدرها اللاواعي.. إذ تؤثر في حياته و تجعله يتصارع بين الحاضر الواعي والشعور اللاواعي الماضي.

قد يعتقد البعض أن هذا ضربٌ من الخيال، لكن الموضوع قد يختلف إذا رأينا حقيقة أن الأحداث تتكرر أحيانًا، وكأننا نتوقعها قبل لحظات من حدوثها، وما يفعله الأطباء النفسيون أيضًا في استخدام التنويم المغناطيسي للمرضى الذين تعتريهم موجة من الصراع بين اللاواعي والعقل الواعي، لإصلاح تلك الصراعات والتوفيق بينهما وإزالة الشوائب والشعور السلبي من بواطن اللاواعي.

ونستطيع أن نطلق على الشعور اللاواعي بـ''النفس'' وهذا أقرب لقول الله تعالى : "وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا * قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا". 
و''النفس'' في المفهوم الإسلامي تشتمل على نوازع الخير والشر معًا، وكلاهما جزءٌ أصيل من تكوينها. ولكن نوازع الخير هو الأصل فيها، إلاّ أن الأحداث المحيطة قد تؤثر بها سلبًا إذا انعدمت الضوابط الإيتيقية الإيجابية، وهذا تصديقًا لقول سيد الأنام صلوات الله عليه:"ما من مولودٍ إلاَّ يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه" - ومقاصد الشريعة لم تُنزّل إلا لتكون دواءً للنفس توقيها من الانحرافات، فهي كائن مركَّب لا يصلح اختزاله في بُعدٍ واحد. فنجد في التفكير الإسلامي أن لها علاقةٌ وثيقةٌ بين وظيفتيها الدنيوية والأخروية.

فإن إزدادت إيماناً أو طغياناً يظهرُ ذلك على الفرد جلياً، تمثل الشعور العميق في داخله. لهذا عني القرآن بها اهتمامًا بالغًا لكونها المحرك الأصيل فيه، وانبثاقها في القلب يجعلها أقرب شيء لحركاته وسكناته، ويؤكد ذلك صلوات الله عليه في قوله:"أَلَا وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، أَلَا وَهِيَ الْقَلْبُ"، والمضغة هنا هي ذلك العضو المعنوى لا الجسدي. وتأثير النفس على شخصية الإنسان تشكل تقريبا ٩٠٪؜ على سلوكه. فقد ينمو منذ نعومة أظفاره على معتقدات سلبية موروثة تجعله حبيسًا بين سياجها، حتى يغدو التفطن لها ليس بالبسيط، مما يستلزم الحفر في الماضي و ما يخزّنه من ذكريات وجروح متفاوتة العمق. 

فالكثير من المشاعر السلبية كالخجل الشديد  والخوف والتشاؤم، التي تعتري الفرد هي نتيجة لذلك، يطلق عليها علماء النفس أو من يندرجون على هذا النحو بالبرمجة العصبية التي تبدأ مع الشخص عند بداية طفولته. 
وهنا أيضا تضخم "الايجو" أو الكبرياء يلعب دورًا مهمًا في التأثير على مدى الاستعداد للخروج من منطقة الراحة والدخول في مرحلة وعي جديد مغاير، فيظل الإنسان في صراع وجوديٍ حاد بين النسخة التي هو عليها و ما يصبو أن يكون عليه.

ويعزز ذلك المفهوم د.علي الوردي في كتابه "خوارق اللاشعور " الذي يتناول فيه نفسية الإنسان وضوابطها وكيفية التحكم بها، والاستفادة من الإمكانات الكامنة في صناديق أسراره، وخلاصة ما جاء فيه أن الإنسان يعيش بين عقل واعٍ حاضر يضبط سلوكه التفاعلي الآني، وعقل باطني لاشعوري أشبه بالصندوق الأسود يحتفظ بكل ما حدث له منذ ولادته حتى مماته.

خلاصة القول كل منا يحمل من الأوجاع والآلام التي نعتقد أنها ليست مؤثرة في تصرفاتنا، وفي حقيقتها هي كذلك ويجب استئصالها وتنقية دواخلنا من أي شائبة تعكر صفو حياتنا، وأفضل الوسائل وأنجعها التمسك بحبل الله جل في علاه في المقام الأول، إذ قال في محكم آياته: {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ ۙ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا}. وكذلك التفاؤل الدائم ونبذ الأفكار السلبية من مخيلتنا وإقناع أنفسنا بأننا قادرين ولا يقف أمامنا أي عائقٍ مهما علا شأنه أو صغر.

—- -

نبذة عن الأستاذة عزة المؤدب،
هي من جمهورية تونس، متخصصة في تقنية البرمجة اللغوية العصبية ومعتمده في تحليل الشخصيات عبر تقنية الإنياجرام، ومدربة تطوير ذاتي و مهارات ناعمة، ومحاضرة دولية في التنمية البشرية.

 

 

بقلم : عزه المؤدب  MeddebAzza@
.        وعثمان الأهدل      oalahdal@